الحوكمة العدلية والشفافية: دعائم العدالة واستدامة الثقة
مقدمة
تمثل الحوكمة العدلية أحد أعمدة بناء المنظومة القضائية الحديثة، ويعد مبدأ الشفافية مكونًا جوهريًا فيها. إذ لا يمكن تصور فعالية الحوكمة دون شفافية تُمكّن من قياس الأداء، وتعزز من الثقة والعدالة والمساءلة. وفي هذا المقال، نستعرض ملامح العلاقة بين الحوكمة والشفافية في المنظومة العدلية السعودية، ومجموعة من المقترحات العملية لتفعيلها.
ما المقصود بالحوكمة العدلية والشفافية؟
الشفافية تعني إتاحة المعلومات والإجراءات والقرارات لجميع الأطراف ذات الصلة، وتمكينهم من الوصول إلى المعلومات ذات الصلة بحقوقهم ومعاملاتهم. أما الحوكمة العدلية فهي مجموعة الضوابط والعمليات التي تضمن أداء العدالة بكفاءة ونزاهة، وتشمل الرقابة، والمساءلة، وتحديد الصلاحيات، وضمان معايير الجودة في الأداء القضائي والإداري.
أهمية الشفافية في تعزيز الحوكمة العدلية
تكمن أهمية الشفافية في النظام العدلي في دورها في محاربة الفساد، ورفع كفاءة الأداء، وزيادة الثقة في القضاء، وتحقيق المساواة بين المتقاضين. كما أنها أداة لتقييم أداء الجهات العدلية ومقدمي الخدمة، وتحقيق مبدأ العدالة الناجزة. من خلال الشفافية يمكن للمستفيد تتبع معاملته، وفهم الإجراءات، ومعرفة حقوقه وواجباته، وبالتالي تعزيز ثقافة القانون في المجتمع.
مقترحات لتفعيل الشفافية في المنظومة العدلية
1. تيسير الإجراءات ووضوحها
يجب أن تكون الإجراءات واضحة وسهلة لجميع المتعاملين مع الجهات العدلية (الضبط، النيابة، القضاء)، وأن تكون موحدة وموثقة، بحيث يمكن الوصول إليها من خلال منصات إلكترونية مثل بوابة ناجز (https://najiz.sa) أو وزارة العدل السعودية (https://www.moj.gov.sa).
2. تحسين جودة البيانات
توحيد قوالب إدخال البيانات وإعدادها لتخدم احتياجات جميع الجهات العدلية، يقلل من تكرار الأخطاء ويعزز من دقة وسرعة اتخاذ القرار. كما أن الأتمتة تساعد على تقليل التداخلات البشرية وتقليل فرص التلاعب.
3. تحديث التشريعات وفق المستجدات
يتطلب السوق العدلي تشريعات مرنة تستجيب لتغيرات الواقع، ويُفضل إشراك الخبراء القانونيين والاقتصاديين والمهنيين في تطويرها، وهو ما تسعى له منصة استطلاع التابعة للمركز الوطني للتنافسية (https://istitlaa.ncc.gov.sa).
4. منهجية إعلامية موحدة للجهات العدلية
يتعين على الجهات العدلية تطوير خطط تواصل موحدة تخاطب الإعلام والمجتمع بلغة مفهومة تعزز من ثقة المواطن بالقضاء، وتوضح الأهداف والإجراءات والتحديات بشفافية.
5. نشر الأحكام والمبادئ القضائية
يجب نشر الأحكام القضائية والمبادئ المستخلصة منها بلغة ميسّرة على البوابة القضائية العلمية (https://sjp.gov.sa) وغيرها من المنصات الرسمية، وذلك لتمكين المحامين والمواطنين من فهم اتجاهات القضاء وتكريس الثقة في أحكامه.
6. قياس رضا المستفيدين
إجراء استطلاعات دورية على مستوى المحاكم والخدمات العدلية لتقييم رضا المتعاملين، ما يساعد على تحسين الأداء، وتحديد مواقع القصور ومعالجتها، مثل خدمات قياس الأداء على منصة قيّم (https://www.moj.gov.sa/ar/Pages/RateUs.aspx).
7. وضوح مؤشرات الأداء والمساءلة
ينبغي أن تكون مؤشرات الأداء واضحة ومعلنة، تشمل جميع العاملين دون استثناء، مع ربط نتائج الأداء بالمكافآت والترقيات، وتوفير فترة إخطار كافية قبل تطبيق التقييمات. العدالة في التقييم شرط أساسي لبناء بيئة شفافة ومنتجة.
8. تمكين المستفيدين من الوصول لمستنداتهم
منح الأفراد حق الاطلاع على جميع مستنداتهم ومعرفة كل إجراء يتم اتخاذه بشأنهم، من خلال أنظمة إلكترونية محمية، مع ضمان حقوقهم النظامية كاملة في التظلم والتقاضي.
خاتمة
إن الشفافية ليست مجرد شعار يُرفع، بل هي منظومة عمل ترتكز على الوضوح والمساءلة والإفصاح، وهي بوابة لتحقيق العدالة الناجزة ومحاربة الفساد. ومع تقدم المملكة في مؤشرات الحوكمة، تبقى الشفافية العدلية حجر الأساس الذي تبنى عليه الثقة المستدامة بين المواطن ومؤسسات العدالة.